البورسلان: الذهب الأبيض الأوروبيّ

السبت, 07.03.15

الاثنين, 05.10.15

:

لمعلومات إضافية:

046030800

شارك

في الحضارات الأوروبيّة، توضع أدوات البورسلان في مكانها التّقليدي خلف زجاج عرض، كأنّها معروضات متحفيّة لا يمكن الوصول إليها، مُبعدة عن الشّعب ومُرتقية عنه. في تلوُّنِها وقيمتها التّزيينيّة إغواء، وهي تُحفظ بحذر بسبب قيمتها. في هذه الأواني تعبير عن ثقافة ضيافة هي غاية في التّهذيب وسمة من سمات التّرف والمكانة الاجتماعيّة، وهي من الأمور التي يحبّ أن يجمعها الهواة.

إنّ إنعام النّظر في معروضات هذا المعرض من شأنها، لأوّل وهلة، أن تثير لدى جزء من الحضور ذكريات أو حنينًا. لكنّ المعرض يطمح إلى ما وراء سياق الحنين هذا، باعتبار أواني البورسلان رمزًا يمثّل حقبة معيّنة والتغييرات التي حصلت فيها. نقطة انطلاق المعرض هي كون البورسلان رمزًا للمكانة وسمة جليّة من سمات الحضارة الأوروبيّة الشّديدة الدّقّة، وتحوّله لأحد الأغراض التي تشير إلى مكانة المالك وإلى ثروته الحضاريّة. إنّ المعروضات هي عبارة عن رموز مُشفّرة تدلّ على قيَم الهويّة البرجوازيّة الأوروبيّة وتلقي الضّوء على التّفضيلات الجماليّة لدى أصحاب الثّروات.

يدمج هذا المعرض بين المجموعة المتحفيّة من البورسلان الأوروبيّ وبين مُختلف المعروضات التابعة لمجموعات خاصّة من البورسلان اقتناها يهود أوروبيّون بعد قيام الدّولة. بالإضافة إلى ذلك، يعرض المعرض الإنتاج المحلّيّ الذي ينسخ ويحاكي التّصاميم الآتية من مركز أوروبا وغربها، في الغالب. هكذا، يطرح المعرض مسائل مُركّبة تتعلّق بالفهرسة، والتّصنيف وطرق عرض الأواني الزّخرفيّة والمُنتجات القابلة للاستخدام، ومن خلال ذلك، يعنى المعرض بالعلاقة بين "الفنّ الوضيع" والتّزيين، بين التّقليد والأصل، وبين القيمة الحضاريّة "الراقية" و"المتدنّية".

هنا، ننظر إلى الطّلب المحلّي على هذه المعروضات، التي تحاكي عالمًا أوروبيًّا في بلادنا، في سياقات مُختلفة - كتعبير عن واقع حياة اليهود الأوروبيّين الذين يبحثون عن حلقة وصل مع حضارة الأصل، وكمحاولة جمهور المستهلكين أن يقلّد ويلائم حيّزه الخاصّ والحميميّ للقيَم الجماليّة التّابعة للحضارة المُهيمِنة - الحضارة الأشكنازيّة المحلّيّة. بهذه الطّريقة، يشير المعرض إلى رواية ما كثيرًا ما تُعتبر مفهومة ضمنًا (ولذلك لا تطرح للحوار): الهويّة الأوروبيّة، وهويّة الشّتات الكامنة في الحضارة الماديّة المحلّيّة في الحيّز الجغرافي الشّرق أوسطيّ.

بهدف إنعام النّظر في وجود الماضي الأوروبيّ في فترتنا الآنيّة من وجهة نظر تأويليّة ونقديّة، يطمح المعرض أيضًا إلى تخصيص مساحة لمعالجة هذا الموضوع في وسط الفنّانين المعاصرين من البلاد والعالم.

 

 

مجموعة بيله ونتان تسلنيك

 

يُعتبر البورسلان (أو القيشانيّ) أكثر الموادّ الخزفيّة نُبلا وأكثرها صمودًا، وقد استخدم منذ أجيال كثيرة للتّزيين وللتّباهي في المعارض وخزائن العرض التّابعة للمجموعات الخاصّة أو لمتاحف الفنون في البلاد وحول العالم. في العام 1987، عُرِضت لأوّل مرّة في متحف الموسيقى والأعراق البشريّة في حيفا أغراضًا مُنتقاة من المجموعة التي كانت تملكها متاحف حيفا: "مجموعة بيله ونتان تسلنيك". في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي، قام تسلنيك، وهو هاوي جمع يهوديّ من أصل بولنديّ، بالتّبرّع بالمجموعة التي كان يملكها والتي تتألّف من منتجات زخرفيّة وأخرى ذات قيمة عمليّة وهي منتجات يعود أصلها إلى بداية القرن الثّامن عشر وحتّى القرن العشرين. أُنتجت تلك المُنتجات في بضعة مصانع أساسيّة في أوروبا: مايسن، ألمانيا؛ سيبر، فرنسا؛ فيينا، النّمسا؛ دوتشيا، إيطاليا.

 

ومع أنّ المجموعة لم تُمثّل كلّ الأساليب المُمكنة، أو جميع الحقبات ومواقع إنتاج البورسلان في أوروبا، فإنّها عبّرت إلى حدّ كبير عن التّغييرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي حصلت في تلك القارّة. إنّ التّقليدات والتّزييفات الكثيرة للبورسلان في القرنَين التّاسع عشر والعشرين كانت جزءًا من المشاكل التي وُوجِهت ساعة فهرسة المجموعة، وتأرخة كلّ الأغراض فيها والتّعرّف إليها، إبّان عرضها. إنّ عرض المجموعة على الجمهور في البلاد أظهرت التّفضيلات الفنّيّة والجماليّة لطبقة النّبلاء والطّبقة البرجوازيّة في أوروبا في القرون الماضية. لكنّ قرارَ عرض المجموعة في متحف الأعراق البشريّة، لا في متحف الفنون، حَرَّف المجموعة عن مكانها الطّبيعي في التّسلسل التّاريخي للفنون والتّصاميم الأوروبيّة.

 

إنّ بيئة المتاحف الإسرائيليّة المُعاصرة تشهد ازديادًا في عدد المتاحف التي تهتمّ بالأعراق البشريّة. ففي أيّامنا، باتت تحظى كلّ مجموعة عرقيّة في إسرائيل بتمثيل على هيئة متحف أعراق بشريّة خُصِّص لحضارتها الفريدة ولحِفظ تُراثها. في نهاية المطاف، تمّ تسخير المعروضات في هذه المتاحف بهدف إنتاج رواية حضاريّة معيّنة. إنّ بانثيون معرض الفنون العمليّة مُعرَّف، على سبيل المثال، بواسطة التّطرّق إلى حضارات مثل "قارّة إفريقيا، المجموعات السّكانيّة الإسرائيليّة في الشّتات والحضارات التي تقطن حيفا وضواحيها، مثل الحضارة الدّرزيّة، والشّركسيّة والعربيّة" (نينا بنتسور، حيفا ومواقعها، 1985).

 

إنّ إدخال الحضارة المادّيّة الأوروبيّة إلى هذا البانثيون تفرض عليه بعدًا "عرقيًّا". وفي مثل هذا الإطار، يُعرض البورسلان الأوروبي على أنّه "غريب" من جهة، وعلى أنّه "مفارقة تاريخيّة" من جهة أخرى، كأنّ لا صلة بينه وبين الحوار الحضاريّ الحاليّ. يسعى هذا المعرض إلى تقديم قراءة جديدة لمجموعة بيله ونتان تسلنيك، في سياق الحوار المحلّي، محاولا أن يُنعم النّظر في دخول البورسلان إلى الحيّز الشّرق-أوسطيّ باعتباره جزءًا من مُجملٍ كبيرٍ من النّماذج والسّمات التّابعة للحضارة الأوروبيّة والتي أُدخلت إلى الحيّز المنزليّ.

 

الفنانون المشاركون

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك