مُلتَقطَة في العدسة
تمثيلات النّساء في فلسطين وفي جمهوريّة فايمار
السبت, 22.03.14
الأحد, 17.08.14
:
,لمعلومات إضافية:
046030800زوهر إفرون / آنا جيورجييف
جرى على مرّ السنين إقصاء مجموعات لم تنتمِ إلى الهيمنة من التاريخ، سواء على المستوى النصّيّ أو البصريّ. تمثيلات هذه المجموعات متأثّرة، غالبًا، ببُنى تفكيريّة مُكرّسة في الوعي، وهو ما يؤدّي إلى تمثيل نمطيّ ومنحاز. أشبه بمجموعات إضافيّة، تمّ إبعاد النّساء كمجموع إلى هامش صفحات التاريخ. كجزءٍ من الرغبة في إثارة الوعي وكشف هذا التوجّه المنحاز، يزداد البحث الذي يتناول هذا الموضوع وتعبيراته البصريّة. هذا المعرض يشكّل جزءًا من محاولة عرض مكانة النساء في حقل التصوير، سواء كمصوِّرات فعّالات مسؤولات، ضمن أمور أخرى، عن حفظ البُنى القائمة وكذلك تمثيلها البصريّ، النمطيّ أحيانًا، كمُصوَّرات. يختبر المعرض التغيّرات التي طرأت على أعمال نساء يهوديّات وتمثيلاتهنّ بعد انتقالهنّ من ألمانيا إلى فلسطين، ويتوقّف عند التوتّر بين الاستمراريّة وكسر التواصل في عالمهنّ وإنتاجهنّ؛ بموازاة ذلك، يتمّ في المعرض اختبار تمثيلات نساء في التصوير الفلسطينيّ الذي تمّ في البلاد.
تميّزت ألمانيا خلال فترة جمهورية فايمار (1933-1919) بفردانيّة متحرّرة من قيود التقاليد والإبداع الثقافيّ غير المسبوق. مدن ألمانيا الكبرى تحوّلت إلى مكان مثاليّ للنّساء، على أثر تقبّل التغيّرات التي طرأت على وظائف الجندر التقليديّة في هذا الحيّز. لم تعد النساء خاضعات بشكل حصريّ لحياة البيت والعائلة، بل إنّ قسمًا منهنّ انخرطَ في حقل التصوير. لقد أثرَت النساء كثيرًا على التصوير الغربيّ، وتميّزت أعمالهنّ، على نحو شبيه بأعمال المُصوّرين الرّجال، بلغة بصريّة جديدة. مناخ التحرّر هذا وصل إلى أواخره بعد صعود النّظام النازيّ واندلاع الحرب العالميّة الثانية.
خلال هذه الفترة هاجرت يهوديّات ويهود كثيرون من ألمانيا ومركز أوروبا إلى فلسطين، وأدّى هذا الأمر إلى تغيّرات جدّيّة في حقل التصوير المحلّي. في تلك الفترة، اشتدّت الحاجة القوميّة إلى مادّة بصريّة مصوَّرة يمكن إرسالها إلى مختلف أرجاء العالم. إلى جانب التصوير الصهيونيّ المؤسّسيّ الذي استخدم لأغراض الدّعاية، تطوّر التصوير غير المؤسّسيّ في مجالات مختلفة: بورتريهات، صناعة وتجارة، ثقافة وتوثيق مناسبات. كلتا الفئتين ساهمت في تطوير لغة بصرية قومية.
تشير الصّور التي تعود إلى النّصف الأوّل من القرن العشرين إلى أنّه تطوّرت في ألمانيا وفي فلسطين نماذج مختلفة لشخصيّة المرأة. ففي ألمانيا تطوّرت شخصيّة "المرأة الجديدة"، التي عرضت صورُها حياتها ورغباتها في الحيّز المدينيّ الحديث. صحافة تلك الفترة في جمهورية فايمار عرضت المرأة بإعجاب كبير، كشخصيّة مستقلّة تسعى خلف المغامرات. لقد جرى عرضها كامرأة عصرية ومجدِّدة ذات قصّة شَعر "بوب" قصيرة، كشخصيّة مهجّنة أو كشخصية أنثويّة مع سيجارة بيدها وبكامل مكياجها. تمّ عرض "المرأة الجديدة" كمَن تقوم بنشاط رياضيّ مثل السباحة والمشي في الطبيعة، وكمَن تحافظ على لياقتها البدنيّة وجسمها الرشيق. تسافر بنظارات عصرية في سيارتها لخوض مغامرات آسرة، أو ربّما حتى للقاء إيروتيكيّ مع مرأة أخرى. إنّها مرأة مستقلّة من ناحية اقتصاديّة وثقافيّة. هذه الأمثولة تقف، قولاً وفعلاً، أمام واقع أكثر تعقيدًا ومتعدّد الأوجه، لأنّ تلك المرأة اضطرّت إلى أن تكون "مركّبة، على الأقلّ، من مرأة جديدة، رجل جديد، طفل جديد، مجتمع جديد"، مثلما أشار الكاتب روبرت موسيل. كانت المرأة الجديدة في ألمانيا ظاهرة خاصّة بالمدن الكبرى. عاشت في تلك المدن مجموعة سكانيّة يهوديّة كبيرة، ولكن لم تتبلور فيها، غالبًا، هويّة "مرأة يهودية جديدة"، لأنّ معظمهنّ، كما تشير هارييت فريدنرايخ، لم يتماثلن بعمق مع جذورهنّ اليهوديّة ولم يكنّ منخرطات بشكلٍ فعّالٍ في المجتمعات اليهوديّة.
في المقابل من ذلك، خلال الثلاثينات والأربعينات، عرضَ المصوِّرون والمصوِّرات الذين عملوا في أر إسرائيل/فلسطين صورة "المرأة اليهوديّة الجديدة"، التي لاءمت بنظرهم أهداف الدّعاية الصهيونيّة. إنّ النساء اللاتي عُرِضنَ كمشاركات فعّالات في المشروع الصهيونيّ، وُصفنَ كمعلّمات وكمعالِجات وظيفتُهنّ رعاية الجيل القادم أو كعاملات يعملنَ إلى جانب الرّجال. إنّ النّموذج الصّهيونيّ عرَض صورة لامرأة بيضاء، أوروبيّة الأصول، فعّالة وسليمة الجسد، تنشط في العمل الجسديّ خصوصًا. تمّ أحيانًا تقديمها كمزارِعة تعمل في الحقل وتنشط من أجل "البلاد الجديدة"، كما تمّ النظر إليها حينذاك. الأيديولوجيّة الصهيونيّة عرَضت صورة لمجتمع متساوٍ، وبالتالي مثاليّ بالنسبة للنساء. وهناك نزعة في التصوير، أيضًا، إلى عرض المساواة بين النساء والرجال، على الرّغم من أنّ الواقع كان مختلفًا عادة من ناحية فعليّة.
عملت في هذه الفترة مصوِّرات كثيرات من ألمانيا وقد أثرن على حقل التصوير المحلي. قسمٌ منهنّ أقام لنفسه أستوديو مستقلا، بل ساهم، بشكل فعّالٍ، في منظّمات مختلفة، لكنّ أغلبيّتهنّ لم يعملن من أجل الصناديق الصهيونية. معظم عملهنّ لم يُحفظ، بل أقصِيَ عن التاريخ المحلّي، ومن هنا يمكن أن نخلص إلى استنتاج ما بشأن مكانة المرأة في المجتمع الصهيونيّ في البلاد في تلك الفترة.
هناك فروق جوهريّة بين جمهوريّة فايمار وبين فلسطين من حيث التعاطي مع الجسد، مثلما ينعكس الأمر في صور الأيادي المعروضة في المعرض: في ألمانيا ظهرت الأيادي في الإعلانات والصحافة وارتبطت بعالم النساء، الذي تمّ النظر إليه عادةً كاستعراضيّ وسطحيّ؛ في المقابل من هذا، في البلاد، ارتبطت الأيادي العاملة باليهوديّ/ة الجديد/ة - بالإنسان العامل الذي بنى بلاده الجديدة. يشير هذا المثال إلى الشكل الذي استخدِم التصوير فيه كوسيلة سياسيّة لخلق صورة اليهودي الجديد والقويّ مقابل اليهودي المهجريّ الأوروبيّ، المثقّف والضّعيف.
على نحو شبيهٍ بقصّة المُصوِّرات اللاتي عملن في النصف الأوّل من القرن العشرين، فإنّ عمل المصوِّرين والمصوِّرات الفلسطينيّين لم يُحفَظ في أغلبيّته وقد أقصِيَ عن التاريخ. يمكن الاستنتاج من الموادّ التي حُفظتْ أنّ التصوير الفلسطينيّ كان، في معظمه، نتيجة لنشاطٍ مستقلّ، خلافًا للتصوير الصهيونيّ الذي كان جزءًا من نشاط مؤسّسيّ. عكس التصوير الفلسطينيّ هو أيضًا تضامنًا قوميًّا، مع أنّه لم يكن مُجنّدًا ولم يشكّل أداة دعائيّة بأيدي القيادة العربيّة. هذه الصّور التقطتِ الواقع المحلّي في المدينة والقرية ووثقت سكان أهل البلاد من نساء ورجال. مقابل التصوير الصهيونيّ، خرج التصوير الفلسطيني ضدّ فكرة الأرض الخاوية التي يجب تطويرها. في صور الأستوديو من تلك الفترة تظهر النساء الفلسطينيّات بلباس تقليديّ أحيانًا، وهنّ يوجّهنَ أنظارهنّ إلى الكاميرا.
مثلت صورة المرأة والرّجل العرب بالنسبة ليهود أوروبا الشخصيّة التوراتيّة، لكن في ظلّ الصراع بين اليهود والعرب بدأ المصوِّرون الصهيونيين بعرض العربيّ كـ"آخر" متخلّف، بينما قُدِّم اليهود من أصول شرقيّة غالبًا كمَن يمثّلون فترة التوراة. طمحت الحركة الصهيونيّة إلى تأسيس صورة الجسد القوميّ اليهوديّ كأشكنازيّ مناقض للعربيّ، وأثّرَتْ وجهة النظر هذه أيضًا على صورة الجسد الشّرقيّ. لقد عرَض المصوِّرون الصهيونيّون اليهوديّ الشرقيّ بشكل مختلف عن اليهوديّ الطليعيّ من أصول أوروبيّة. هذه الصور استخدمت جزئيًّا للأغراض الدعائيّة الصهيونيّة التي عرَضَت البلاد كموقع خاوٍ ذي روح توراتيّة. الفكرة المناقضة للشرق مقابل الغرب أدّت إلى بلورة علاقات مركّبة بين الطوائف المختلفة في البلاد. على مرّ التاريخ اليهوديّ قامت مجموعات مختلفة بـ"شرقنة" مجموعات أخرى من أجل تقوية شعورها بالانتماء إلى العالم الغربيّ.
بفعل رغبة يهود أوروبا بأنْ يُنظر إليهم كغربيّين، وبالتالي كـ"متقدّمين"، توجب عليهم أن يعرضوا مجتمعًا متساويًا من ناحية جندريّة. المرأة الطليعيّة، العلمانيّة، الأوروبيّة الأصول، العاملة في الزراعة، الصناعة أو الناشطة الرياضيّة، تقدّم بشكل مثالويّ، سعيدة في ثيابها الصيفيّة. في المقابل، يتمّ تقديم المرأة الشرقيّة كامرأة تقليديّة متخلّفة، لا بل تُعرَض، أحيانًا، كبلهاء، في لحظات حميمة من الجدل العاصف، في لحظات التعب، وهي تتعلّم العبريّة، أو حين تجلس في الشارع وخلفها جدار طلاؤه مقشّر.
من خلال تعاطيه مع هذا الواقع الاجتماعيّ المركّب، الذي يمتاز بفجوات تمثيل كبيرة، يركّز المعرض على مكانة النساء في حقل التصوير في تلك الفترة - سواء في أعمال صوّروها أو بوصفهنّ مُصوَّرات. من الجدير الإشارة إلى أنّ المعرض يتناول بشكل محدود ومحدّد هذا الموضوع الواسع، وبناءً عليه يجب اختبار الظاهرة في معارض وأبحاث إضافية. وكما يمكن التيقن من الحقائق المعروضة، فإنّ التصوير شكّلَ أداةً سياسيّة لبلورة المجتمع الصهيونيّ في البلاد – تمثيل له تأثير اجتماعيّ وسياسيّ حتى اليوم. وبهذا، فإنّ المعرض يمكّن من إنتاج قصّة جديدة من مقاطع التاريخ المختلفة، ويوفّر فرصة لاحتواء مواقف من الهامش أيضًا، من خلال التعاطي مع مكانة النّساء المصوِّرات اللاتي عملن في حقل التصوير.